الجبنة قديمة كقِدم التاريخ

جبنة تشتهر بطعمها الحادّ

A Farmer Carrying a Tray with Cheeseراوي - دورية التراث المصري

يُعتبر الحليب ومنتجات الألبان عنصرًا أساسيًا قيّمًا ومغذّيًا تم إثبات استخدامه على مدار التاريخ المصري على الرغم من أنّ الأدلة ليست كافية في بعض الأحيان، لأنه نادرًا ما تبقى الآثار المادية للجبن مع مرور الوقت مقارنةّ ببقايا عظام الحيوانات أو النباتات.


توفّر العديد من رسوم حلب الحيوانات دليلاً على أنّ المصريين القدامى كانوا يستهلكون حليب البقر وحليبًا من حيوانات أخرى. ويُرجّح أنه كان يتم إنتاج الجبن والقشدة وما يشبه السمن أو الزبدة على الرغم من نُدرة الأدلة. وجد علماء الآثار مرّتين على الأقل ما يمكن أن يكون منتجات الجبنة المتبقية التي قُدّمت كقرابين في المقابر. ويعود تاريخ أقدم آثار الأجبان إلى 5,200 عام من السلالة الأولى (ما بين 3100–2910 قبل الميلاد) في سقارة، حيث تم العثور على جرّتين تحتويان على كتلة صلبة فيها بصمة كيميائية مشابهة للجبنة. وكان لكلّ جرة تسمية مختلفة، فذُكر على أحدهما "سرت من الشمال"، وعلى الثانية "سرت من الجنوب"، ما يشير إلى أنّ كلمة "سرت"/ i> قد تعني الجبنة وأنه قد تتوفّر أنواع مختلفة من مناطق إقليمية أخرى.

Cheese Selling and Goat Herding Sceneراوي - دورية التراث المصري

وكان "إيبوي"، نبيل عاش في عهد الملك "رمسيس" الثاني (ما بين. 1279-1213 قبل الميلاد) يمتلك قبرًا مزينًا بشكل جميل مع رسوم خاصة عن بعض المأكولات.

يمكننا أن نشاهد امرأة تجلس القرفصاء وتبيع (أو تقايض) كرات بيضاء مستديرة، يمكن أن تكون جبنة أو نوعًا من السمن أو الزبدة. ويرجّح أن تكون الزبدة، لأنها ما زالت تُباع في القرى المصرية على شكل كرات.

وعلى يسار الامرأة، يمكننا أن نرى راعيًا يرعى الماعز، ما يدلّنا على طبيعة هذه الكرات. يبدو أنّ الراعي يحمل نيرًا بكيس مربوط، لكن المثير للاهتمام هو غرض آخر معلق على نيره ويبدو مثل جلد الماعز وهو النوع المستخدم في صناعة الجبنة حتى يومنا هذا في مصر الحديثة. 

بعد إضافة الحليب الطازج، تكبر قشرة الجلد ويتم خضّها بقوة، ما يؤدي إلى خلط الحليب، فتنتج عنه الزبدة التي تتم تنقيتها لاحقًا لإنتاج السمن واللبن. وإذا افترضنا أنّ الرسمَين مترابطان، قد تكون المرأة تبيع جبنة الماعز أو السمن المصنوع من حليب الماعز.

Haloum Cheeseراوي - دورية التراث المصري

تم توثيق إنتاج الجبنة ومنتجات الألبان بشكل متقطع فقط في مصر. حوالي القرن الرابع والخامس ميلادي، بدأت كلمة مثيرة للاهتمام للجبنة بشكل خاص في الظهور باللغة القبطية (أحدث مرحلة من اللغة المصرية القديمة) وهي هالوم. 

  تذكرنا هذه الكلمة بالكلمة الحديثة لجبنة الحلوم، وهي جبنة شبه صلبة ومملحة شائعة في جميع أنحاء شرق البحر الأبيض المتوسط. هل يشير ذلك إلى أنّ جبنة الحلوم التي نعرفها اليوم هي من ابتكار مصري؟

عندما زار عالم الجغرافيا الفلسطيني "المقدسي" مصر في القرن العاشر، ذكر جبنة الحلوم على أنها مصرية بشكل خاص قائلاً: "الهالوم هي جبنة من اختصاصهم [المصريين]". أما "ابن إياس"، المؤرخ المصري من القرن الخامس عشر والسادس عشر، فيؤكد أيضًا رأي عالم الجغرافيا وينسب جبنة الحلوم للمصريين. كما أضاف المؤرخ أنه تم تصديرها لاحقًا إلى سوريا.

 ونستنتج من وصفات إعداد واستخدام جبنة هالوم المصرية التي يرجع تاريخها إلى القرن الرابع عشر ميلادي أنه ربما كان مختلفًا جدًا عن جبنة الحلوم اليوم. كانت على الأرجح جبنة خثارية طرية مصنوعة من حليب البقر و/أو الجاموس، ثم تُنكّه بمجموعة متنوعة من التوابل والنكهات، مثل الزعتر والليمون المخلل وحتى البرتقال المر.

كما يحدث غالبًا مع الأطعمة (وكل شيء آخر)، نُقلت جبنة الحلوم المصرية إلى سوريا، حيث تطورت إلى جبن مختلف. اليوم، تشير كلمة الحلوم في مصر إلى هذا الجبن السوري شبه الصلب مع جبنة الحلوم المصرية الطرية الأصلية التي لا يمكن العثور عليها في أي مكان.

Kareesh Cheeseراوي - دورية التراث المصري

الجبن القريش

القريش هي جبنة مصرية كلاسيكية ذات تاريخ عريق. وتُعدّ اليوم جبنة بيضاء ناعمة ومملحة ومخثّرة من حليب الجاموس أو البقر (أو كليهما). كان يُترك الحليب لتشكيل طبقة سطحية من القشدة الدهنية التي يتم جمعها بعد ذلك، ويُترك السائل والخثارة.

 تُجمع الخثارة وتُلف في حصيرة من القصب وتُترك لتصفّى لبضعة أيام حتى تشكّل أقراص جبنة أسطوانية مع بعض الشقوق المميزة التي اتخذت شكلها من القصب.

علمًا أننا لا نملك دليلًا ملموسًا على أنّ هذه الجبنة هي من مصر القديمة، لدينا علامات على التفاف حصائر القصب حول المنتجات الغذائية بالطريقة نفسها، ربما بإشارة إلى جبنة محضّرة بالطريقة ذاتها.

 وإحدى أقدم الدلالات على وجود جبنة القريش هي من القرن الثاني عشر ميلادي، إلا أنها لا تشير إلى مواصفات الجبنة أو وصفتها أو شكلها. في المقابل، يشير مرجع آخر إلى أنّ هذه الجبنة قد تعود إلى القرن السابع عشر ميلادي، وتُذكر كجزء من قصة مسلية للغاية (ومثيرة للاهتمام تاريخيًا).

Mish Cheeseراوي - دورية التراث المصري

جبنة تشتهر بطعمها الحادّ

تم ذكر جبن القريش في قصة من القرن السابع عشر ميلادي تتمحور حول جبنة المش، التي تُعدّ طعامًا مصريًا فريدًا برائحة لاذعة ونكهة حادة. 

تتكلم القصة عن منتجات مختلفة متوفرة في السوق، بما فيها المش، حيث وُصف بأنه القريش إنما يُترك لفترة طويلة كافية ليصبح طعمه قويًا ومالحًا جدًا.

لا يزال إنتاج المش بلونه البرتقالي والبني المميز ممارسة شائعة في الريف اليوم، ولكل منطقة لمستها الخاصة. في بعض المناطق، تتم إضافة الفلفل، وفي مناطق أخرى يُضاف الترمس، ما يمنح الجبنة قوامًا مختلفًا. 

تُترك الجبنة بعدها لتعتّق في أوانٍ خزفية كبيرة تُغلق بقطعة قماش لمدة تصل إلى عام حتى تصبح جاهزة للأكل. يتم تقديمها مع خبز الشعير المجفف والبصل، ويتم عادةً تناول البصل مع هذه الجبنة القوية والحادة. 

معلومات حقوق الطبع والنشر: المقال

لمزيد من المعلومات حول تاريخ الطهي في مصر، ألقِ نظرة على هذه القصة حول الخبز المصري القديم ليتناسب مع كل أنواع الجبن هذه.

ملكية المحتوى: جميع الوسائل
يمكن أن يتمّ إنشاء المقالة المقدَّمة في بعض الحالات بواسطة جهة خارجية مستقلة، وقد لا تمثِّل دائمًا وجهات نظر المؤسسات (المدرجة أدناه) التي قدّمت المحتوى.
مقالات من راوي - دورية التراث المصري
استكشاف محتوى إضافي
موضوع متعلّق بالمحتوى
Taste of Egypt
From pharaoh foods to contemporary cuisine, get a taste of Egypt's food culture
عرض الموضوع

هل أنت مهتم بموضوع Food؟

يمكنك تلقّي إشعارات من خلال الاشتراك بنشرة Culture Weekly المخصّصة لك

انتهت عملية الاشتراك.

ستصلك أول نشرة Culture Weekly هذا الأسبوع.

تطبيقات Google